فصل: تفسير الآيات (27- 36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (25):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} تعميم بعد تخصيص، فإن {ذكر من قبلي} من حيث إنه خبر لاسم الإِشارة مخصوص بالموجود بين أظهرهم وهو الكتب الثلاثة، وقرأ حفص وحمزة والكسائي {نُوحِى إِلَيْهِ} بالنون وكسر الحاء والباقون بالياء وفتح الحاء.

.تفسير الآية رقم (26):

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)}
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً} نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله {سبحانه} تنزيه له عن ذلك. {بَلْ عِبَادٌ} بل هم عباد من حيث إنهم مخلوقون وليسوا بالأولاد. {مُّكْرَمُونَ} وفيه تنبيه على مدحض القوم، وقرئ بالتشديد.

.تفسير الآيات (27- 36):

{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)}
{لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} لا يقولون شيئاً حتى يقوله كما هو ديدن العبيد المؤدبين، وأصله لا يسبق قولهم قوله فنسب السبق إليه وإليهم، وجعل القول محله وأداته تنبيهاً على استهجان السبق المعرض به للقائلين على الله ما لم يقله، وأنيبت اللام على الإِضافة اختصاراً وتجافياً عن تكرير الضمير، وقرئ: {لاَ يَسُبقُونَهُ} بالضم من سابقته فسبقته أسبقه. {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} لا يعملون قط ما لم يأمرهم به.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} لا تخفى عليه خافية مما قدموا وأخروا، وهو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فإنهم لإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم. {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} أن يشفع له مهابة منه. {وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ} عظمته ومهابته. {مُشْفِقُونَ} مرتعدون، وأصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خص بها العلماء. والإِشفاق خوف مع اعتناء فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإن عدي بعلى فبالعكس.
{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ} من الملائكة أو من الخلائق. {إِنّى إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} يريد به نفي النبوة وادعاء ذلك عن الملائكة وتهديد المشركين بتهديد مدعي الربوبية. {كذلك نَجْزِى الظالمين} من ظلم بالإِشراك وادعاء الربوبية.
{أَوَ لَمْ يَرَ الذين كَفَرُواْ} أو لم يعلموا، وقرأ ابن كثير بغير واو. {أَنَّ السموات والارض كَانَتَا رَتْقاً} ذات رتق أو مرتوقتين، وهو الضم والالتحام أي كانتا شيئاً واحداً وحقيقة متحدة. {ففتقناهما} بالتنويع والتمييز، أو كانت السموات واحدة ففتقت بالتحريكات المختلفة حتى صارت أفلاكاً، وكانت الأرضون واحدة فجعلت باختلاف كيفياتها وأحوالها طبقات أو أقاليم. وقيل: {كَانَتَا} بحيث لا فرجة بينهما ففرج. وقيل: {كَانَتَا رَتْقاً} لا تمطر ولا تنبت ففتقناهما بالمطر والنبات، فيكون المراد ب {السموات} سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو {السموات} بأسرها على أن لها مدخلاً ما في الأمطار، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من العلم به نظراً فإن الفتق عارض مفتقر إلى مؤثر واجب وابتداء أو بوسط، أو استفساراً من العلماء ومطالعة للكتب، وإنما قال: {كَانَتَا} ولم يقل كن لأن المراد جماعة السموات وجماعة الأرض. وقرئ: {رَتْقاً} بالفتح على تقدير شيئاً رتقاً أي مرتوقاً كالرفض بمعنى المرفوض. {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَئ حَىٍّ} وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله تعالى: {الله خالق كُلّ دَابَّةٍ مّن مَّاء} وذلك لأنه من أعظم مواده أو لفرط احتياجه إليه وانتفاعه به بعينه، أو صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا يحيا دونه. وقرئ: {حياً} على أنه صفة {كُلَّ} أو مفعول ثان، والظرف لغو والشيء مخصوص بالحيوان. {أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} مع ظهور الآيات.
{وَجَعَلْنَا في الأرض رَوَاسِىَ} ثابتات من رسا الشيء إذا ثبت. {أَن تَمِيدَ بِهِمْ} كراهة أن تميل بهم وتضطرب، وقيل لأن لا تميد فحذف لا لأمن الإِلباس. {وَجَعَلْنَا فِيهَا} في الأرض أو الرواسي. {فِجَاجاً سُبُلاً} مسالك واسعة وإنما قدم فجاجاً وهو وصف له ليصير حالاً فيدل على أنه حين خلقها خلقها كذلك، أو ليبدل منها {سُبُلاً} فيدل ضمناً على أنه خلقها ووسعها للسابلة مع ما يكون فيه من التوكيد. {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} إلى مصالحهم.
{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَّحْفُوظاً} عن الوقوع بقدرته أو الفساد والإِخلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته، أو استراق السمع بالشهب. {وَهُمْ عَنْ ءاياتها} عن أحوالها الدالة على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته وتناهي حكمته التي يحس ببعضها ويبحث عن بعضها في علمي الطبيعة والهيئة. {مُّعْرِضُونَ} غير متفكرين.
{وَهُوَ الذي خَلَقَ اليل والنهار والشمس والقمر} بيان لبعض تلك الآيات. {كُلٌّ في فَلَكٍ} أي كل واحد منهما، والتنوين بدل من المضاف إليه والمراد بالفلك الجنس كقولهم: كساهم الأمير حلة. {يَسْبَحُونَ} يسرعون على سطح الفلك إسراع السابح على سطح الماء، وهو خبر {كُلٌّ} والجملة حال من {الشمس والقمر}، وجاز إنفرادهما بها لعدم اللبس والضمير لهما، وإنما جمع باعتبار المطالع وجعل الضمير واو العقلاء لأن السباحة فعلهم.
{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ الخالدون} نزلت حين قالوا نتربص به ريب المنون وفي معناه قوله:
فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا ** سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا

والفاء لتعلق الشرط بما قبله والهمزة لإِنكاره بعد ما تقرر ذلك.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} ذائقة مرارة مفارقتها جسدها، وهو برهان على ما أنكروه. {وَنَبْلُوكُم} ونعاملكم معاملة المختبر. {بالشر والخير} بالبلايا والنعم. {فِتْنَةً} ابتلاء مصدر من غير لفظه. {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} فنجازيكم حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر، وفيه إيماء بأن المقصود من هذه الحياة والابتلاء والتعريض للثواب والعقاب تقريراً لما سبق.
{وَإِذَا رَآكَ الذين كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ} ما يتخذونك. {إِلاَّ هُزُواً} إلا مهزوءاً به ويقولون: {أهذا الذي يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ} أي بسوء، وإنما أطلقه لدلالة الحال فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء. {وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن} بالتوحيد أو بإرشاد الخلق ببعث الرسل وإنزال الكتب رحمة عليهم أو بالقرآن. {هُمْ كافرون} منكرون فهم أحق أن يهزأ بهم، وتكرير الضمير للتأكيد والتخصيص ولحيلولة الصلة بينه وبين الخبر.

.تفسير الآية رقم (37):

{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}
{خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته كقولك: خلق زيد من الكرم، جعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع وهو منه مبالغة في لزومه له ولذلك قيل: إِنه على القلب ومن عجلته مبادرته إلى الكفر واستعجال الوعيد. روي أنها نزلت في النضر بن الحارث حين استعجل العذاب. {سَأُوْرِيكُمْ ءاياتي} نقماتي في الدنيا كوقعة بدر وفي الآخرة عذاب النار. {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} بالإِتيان بها، والنهي عما جبلت عليه نفوسهم ليقعدوها عن مرادها.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} وقت وعد العذاب أو القيامة. {إِن كُنتُمْ صادقين} يعنون النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم.

.تفسير الآية رقم (39):

{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)}
{لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} محذوف الجواب و{حِين} مفعول {يَعْلَمُ} أي: لو يعلمون الوقت الذي يستعجلون منه بقولهم {متى هذا الوعد} وهو حين تحيط بهم النار من كل جانب بحيث لا يقدرون على دفعها ولا يجدون ناصراً يمنعها لما استعجلوا، ويجوز أن يترك مفعول {يَعْلَمُ} ويضمر لحين فعل بمعنى: لو كان لهم علم لما استعجلوا يعلمون بطلان ما هم عليه حين لا يكفون، وإنما وضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على ما أوجب لهم ذلك.

.تفسير الآية رقم (40):

{بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}
{بَلْ تَأْتِيهِم} العدة أو النار أو الساعة. {بَغْتَةً} فجأة مصدر أو حال. وقرئ بفتح الغين. {فَتَبْهَتُهُمْ} فنغلبهم أو تحيرهم. وقرئ الفعلان بالياء والضمير ل {الوعد} أو ال {حِين} وكذا في قوله: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} لأن الوعد بمعنى النار أو العدة والحين بمعنى الساعة، ويجوز أن يكون ل {النار} أو لل {بَغْتَةً}. {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يمهلون وفيه تذكير بإمهالهم في الدنيا.

.تفسير الآية رقم (41):

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)}
{وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ} تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. {فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وعد له بأن ما يفعلونه به يحيق بهم كما حاق بالمستهزئين بالأنبياء ما فعلوا يعني جزاءه.

.تفسير الآية رقم (42):

{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)}
{قُلْ} يا محمد للمستهزئين. {مَن يَكْلَؤُكُمْ} يحفظكم. {باليل وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحمَنِ} من بأسه إن أراد بكم، وفي لفظ {الرحمن} تنبيه على أن لا كالئ غير رحمته العامة وأن اندفاعه بمهلته {بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ} لا يخطرونه ببالهم فضلاً أن يخافوا بأسه حتى إذا كلؤا منه عرفوا الكالي. وصلحوا للسؤال عنه.

.تفسير الآية رقم (43):

{أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)}
{أَمْ لَهُمْ ءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا} بل ألهم آلهة تمنعهم من العذاب تتجاوز منعنا، أو من عذاب يكون من عندنا والإِضرابان عن الأمر بالسؤال على الترتيب، فإنه عن المعرض الغافل عن الشيء بعيد وعن المعتقد لنقيضه أبعد. {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} استئناف بإبطال ما اعتقدوه فإن من لا يقدر على نصر نفسه ولا يصحبه نصر من الله فكيف ينصر غيره.

.تفسير الآية رقم (44):

{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44)}
{بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلآءِ وَءَابَاءَهُمْ حتى طَالَ عَلَيْهِمُ العمر} إضراب عما توهموا ببيان ما هو الداعي إلى حفظهم وهو الاستدراج والتمتع بما قدر لهم من الأعمار، أو عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك، وهو أنه تعالى متعهم بالحياة الدنيا وأمهلهم حتى طالت أعمارهم فحسبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه ولذلك عقبه بما يدل على أنه أمل كاذب فقال: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض} أرض الكفرة. {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} بتسليط المسلمين عليها، وهو تصوير لما يجريه الله تعالى على أيدي المسلمين. {أَفَهُمُ الغالبون} رسول الله والمؤمنين.

.تفسير الآيات (45- 50):

{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
{قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بالوحى} بما أوحي إلي. {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء} وقرأ ابن عامر ولا تسمع الصم على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقرئ بالياء على أن فيه ضميره، وإنما سماهم {الصم} ووضعه موضع ضميرهم للدلالة على تصامهم وعدم انتفاعهم بما يسمعون. {إِذَا مَا يُنذَرُونَ} منصوب ب {يَسْمَعُ} أو ب {الدعاء} والتقييد به لأن الكلام في الإِنذار أو للمبالغة في تصامهم وتجاسرهم.
{وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ} أدنى شيء، وفيه مبالغات ذكر المس وما فيه النفحة من معنى القلة، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء والبناء الدال على المرة. {مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} من الذي ينذرون به. {لَيَقُولُنَّ ياويلنا إِنَّا كُنَّا ظالمين} لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم.
{وَنَضَعُ الموازين القسط} العدل توزن بها صحائف الأعمال. وقيل وضع الموازين تمثيل لإِرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل، وإفراد {القسط} لأنه مصدر وصف به للمبالغة. {لِيَوْمِ القيامة} لجزاء يوم القيامة أو لأهله، أو فيه كقولك: جئت لخمس خلون من الشهر. {فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} من حقها أو من الظلم. {وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة، ورفع نافع {مِثْقَالَ} على {كَانَ} التامة. {أَتَيْنَا بِهَا} أحضرناها، وقرئ: {ءَاتَيْنَا} بمعنى جازينا بها من الإِيتاء فإنه قريب من أعطينا، أو من المؤاتاة فإنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء وأثبنا من الثواب وجئنا، والضمير للمثقال وتأنيثه لإِضافته إلى ال {حَبَّةٍ}. {وكفى بِنَا حاسبين} إذ لا مزيدة على علمنا وعدلنا.
{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} أي الكتاب الجامع لكونه فارقاً بين الحق والباطل، {وَضِيَاء} يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة، {وَذِكْراً} يتعظ به المتقون أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع. وقيل: {الفرقان} النصر، وقيل فلق البحر وقرئ: {ضِيَاء} بغير واو على أنه حال من {الفرقان}.
{الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} صفة {لّلْمُتَّقِينَ} أو مدح لهم منصوب أو مرفوع. {بالغيب} حال من الفاعل أو المفعول. {وَهُمْ مِّنَ الساعة مُشْفِقُونَ} خائفون وفي تصدير الضمير وبناء الحكم عليه مبالغة وتعريض.
{وهذا ذِكْرٌ} يعني القرآن. {مُّبَارَكٌ} كثير خيره. {أنزلناه} على محمد عليه الصلاة والسلام. {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} استفهام توبيخ.